Mouvement Ettajdid

الصفحة الأساسية > عربية > نشـاط الحـركـة > السيّد أحمد إبراهيم الأمين الأوّل لحركة التجديد يقول: "المبادرة الوطنية ليست جمعا لمن (...)

في حديث إلى مجلة "حقائق"، العدد 93، من 13 إلى 26 جويلية 2009

السيّد أحمد إبراهيم الأمين الأوّل لحركة التجديد يقول: "المبادرة الوطنية ليست جمعا لمن يقول لا للسلطة..."

الخميس 23 تموز (يوليو) 2009

"المبادرة الوطنية ليست جمعا لمن يقول لا للسلطة..."

"من جهتنا نعتبر أن التحوّل الديمقراطي لا يمكن أن يكون أساسا إلا نتيجة لديناميكية وطنية داخلية"

" لا للخلط بين من يدافع عن المكاسب الحداثية وبين من يريد استغلال الدّين وتوظيفه في الصراعات السياسية للتراجع في تلك المكاسب "


يحرص السيّد أحمد إبراهيم وهو يحدد سقف انتظاراته من ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية القادمة على أن لا يبدو في صورة المرشح المصاب بالشره السياسي... وهو إذ يعلن عن عزمه خوض المنافسة الانتخابية بكل نديّة، فذلك يعني حسب رأيه حرصه على التعاطي مع مسألة ترشحه بما يكفي من الجدية التي تجعل الانتخابات فرصة لتكريس المنافسة الحقيقية بين مختلف المترشحين، الأمر الذي من شأنه ان يفرز مشهدا سياسيا تكون فيه موازين مختلف الأطراف المشكلة له واضحة... تماما كوضوح السيّد أحمد ابراهيم. وهو يعترف بأن الفترة التي تفصلنا عن الموعد الإنتخابي الرئاسي لا تحمل احتمالا بتغيير موازين القوى على مستوى تحقيق التداول على السلطة. ولهذا فهو يعتبر أن الرهان الرئيسي لهذه الإنتخابات هي الانتخابات ذاتها، أي أن تجري في ظروف مخالفة لسابقاتها بحيث تكون مرآة وفية لحقيقة المشهد السياسي ، إضافة إلى أنها ستكون فرصة هامة للتعبير عن رؤاه وتصوّراته السياسية والإقتصادية والإجتماعية لراهن ومستقبل البلاد وذلك وفق تصوّر نضالي يهدف إلى الاسهام الفعلي في إنجاه "المنعرج الديمقراطي" على حد تعبيره.

هل ينّم هذا التصّور الماقبلى لخلفية الترشح عن واقعية سياسية تستهدف الفعل في الحراك السياسي من الداخل ... أم هو مجرّد تسليم مسبق بهزيمة قد يخفف من وطأتها الحرص على إيصال الصوت الآخر حتى الآخر.؟!

تفاعلا مع هذه التساؤلات يقول السيد احمد ابراهيم:

- لا أوافق على النظر إلى الانتخابات الرئاسية بمنطق" الانتصار الساحق" لطرف ما أو" الهزيمة النكراء" للطرف الآخر... ثم إني لا أرى نبرة انتصارية في قراري خوض المعركة الانتخابية من منطلق الندية وبدون مركبات كما لا أرى نبرة انهزامية في قرار دخول الانتخابات انطلاقا من تحليل للأوضاع كما هي وبعزم على العمل على تغييرها في اتجاه القطيعة مع سلبيات نمط الحكم السائد وتكريس التعددية على أرض الواقع. فالفترة التي تمر بها البلاد وما تتسم به من ضرورة حيوية في تحقيق المنعرج الديمقراطي ليست فترة رفع الرايات الحزبية أو التسابق على الزعامات... لذلك فالهدف من مشاركتنا لا ينبغي اختزاله في الرغبة في الدعاية لخطاب الحركة أو الدعاية لشخصى ... فليست لدي أهداف شخصية أو اهتمامات "زعاماتية" موهومة، وانما الهدف الأساسي من خوض الانتخابات الرئاسية على أساس برنامج لتكريس المواطنة في الممارسة هو خدمة البلاد ولاشيء غير ذلك.

- حقائق: أكدت حرصا متناهيا على خوض الانتخابات الرئاسية بنديّة تامة وظللت تكرّر ذلك.. حتى بدا كما لو أن هناك من طلب منك العكس... أي ان يكون حضورك مجرّد ديكور لاستكمال المشهد الديمقراطي؟

- عندما تكلّمت عن النديّة في الانتخابات... فإني أردت التأكيد على أنني آخذ قضية تعدّد الترشحات مأخذ الجدّ... لأن هناك نزعة واضحة لدى سجناء عقلية الحزب الواحد في أن يجعلوا منها مجرّد إجراء شكليّ ديكوري، والمترشح الذي يفكّر في أن يأخذ مبدأ المنافسة مأخذ الجدّ يصبح محلّ تهجمات.. وأنا وحركة التجديد والمبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدم نحرص على أن نأخذ الإنتخابات مآخذ الجدّ، وبالتالي نحن نريد أن تكون هناك منافسة، والمنافسة تقتضي المساواة في الإمكانيات والتكافؤ في فرص الدعاية، ولكن المفهوم السائد في وسائل الإعلام يريد اختزال الانتخابات في مجرّد إجراء نوع من التمرين البيداغوجي لا غير.

- حقائق: لكن وبصراحة.. هل يمكن ان نتحدث عن النديّة وانت تريد منافسة مرشح يجرّ خلفه إرثا مثقّلا بالانجازات والنجاحات التي لمس جمهور الناخبين آثارها على أرض الواقع... فهل يمكن ان يغامروا بمن عرفوه وخبروه لفائدة من لم يسمعوا منه غير الخُطب الكلامية والشعارات اللفظية؟

- يا ليتهم سمعوا كما تقول خطبنا وشعاراتنا فنتركهم يحكمون لنا أو علينا بعد التثبت بأنفسهم إن كانت مجرد "لفظ" و"كلام" أم أفكارا جدية وصائبة تستحق أن يثقوا بمن يطرحها!!...

فهذا الذي تطرحه يبدو لي رغم صراحته طرحا مغلوطا إذ أن الذنب في كون مرشحي المعارضة الجديّة غير معروفين لدى عامة الناس ليس ذنبهم.. بل ذنب وسائل الإعلام وخاصة الاذاعة والتلفزة التي تصرّ على ان تبقى فضاءاتها حكرا على السلطة ومن معها وتقصي منها المعارضة التي تعارض... وبالتالي فإن القول بأن المنافسة تبدو مستحيلة في ظلّ وجود منافس جرّبه الشعب وبايعه على أساس نجاحاته وما إلى ذلك،هذا القول يضرب في الصميم مفهوم الانتخابات... إذ كيف يمكن لك أن تصدر هذا الحكم وانت لم تعش في بلادك تجربة انتخابية تستثيق ويستثيق الجميع في نتائجها فتعرف بذلك حقيقة اتجاهات الرأي لدى المواطنين، كل المواطنين على اختلافهم، أي بمن فيهم من يعتبرون أن حصيلة الحكومة فيها سلبيات وإخفاقات .. ثم إن من بديهيات الانتخابات ان نتائجها تفرز أقلية وأغلبية... أي انه سيكون فيها من سيفوزكليا ومن سيفوز جزئيا ومن سيخفق .. نحن نطالب بأن يتمّ الاعتراف بالمعارضة كممثل لشريحة هامة من المواطنين، وكمؤسسة من مؤسسات النظام الجمهوري تشكل سلطة مضادة ضرورية تستعد لأن تكون سلطة بديلة . نحن نطالب بأن لا يقع السعي إلى إجبارها على الاصطفاف وراء من يمسك بزمام الأمور واذا رفضت تقمص هذا الدور يكون مآلها التصنيف كمجموعة من المنشقين أو كشرذمة المارقين عن إجماع موهوم هو من مخلفات فترة "الوحدة القومية الصماء" ولا وجود له في الواقع إلا في أذهان ما زالت سجينة عقلية الحزب الواحد...

-  حقائق: سيد احمد.. تبدو متلهفا على التفتيش في نوايا السلطة وكأنك تصرّ على تحميلها المسبق مسؤولية فشل محتمل؟

- ومن أدراك أني ذاهب إلى فشل محتمل؟؟ فالانتخابات الشفافة وحدها هي التي تسمح بمعرفة درجة النجاح والفشل... ومرة أخرى لا أفهم على أي أساس يمكن استنتاج مثل هذا الاحتمال أوما تقول إنه تفتيش من جانبي عن نوايا السلطة؟!! فكل ما أردت التنبيه إليه هو سقم التصور " الإجماعوي" الموجود لدى البعض ممن لم يستبطنوا معاني ومتطلبات التعددية والخطر الذي تمثله على حاضر البلاد ومستقبلهالنزعة هذا البعض إلى السعي لجعل الانتخابات القادمة صورة مطابقة للأصل للتجارب السابقة بما طغى عليها من سلبيات معروفة. فنحن ضدّ منزلق التطير من الراي المخالف الذي يذهب إلىحد اعتبار معارضة السياسة القائمة او حتى نقدها خروجا عن "إجماعية" مزعومة لأن هذا يضرب في الصميم مبادئ الديمقراطية. لقد سبق أن قلت لك أن أهم رهان هو أن تجري الانتخابات في ظروف تجعل منها اسما على مسمى، لا مبايعة أو تزكية، فتكون بذلك فعلا محطة سياسية متميزة إيجابيا. وفي رأيي أن ذلكن لو تمن سيكون مكسبا ثمينا لبلادنا وأنا لا أتمنى لبلادنا الفشل!

فالانتخابات يجب ان نحوّلها إلى محك يجعل الخارطة السياسية في بلادنا قابلة للمقروئية، لأن الجميع مقتنع بأن الارقام الاسترونومية التي ما انفكت تعلن إثر كل استحقاق لاعلاقة لها بالواقع والحال أنّ نتائج الانتخابات مطالبة بأن تكون مرآة صادقة لموازين القوى... وهذا لا يتم إلا إذا تم اعتماد المقاييس المتعارف عليها عالميا للانتخابات كأن لا يقع احتكار الاشراف عليها من قبل وزارة الداخلية وأن يقع التقليص في عدد مكاتب الاقتراع وان يتاح لممثلي المترشحين مراقبة الانتخابات فضلا عن تأمين السريّة التامّة لعمليّة الاقتراع التي تبقى غير محترمة رغم ما نص عليه القانون الذي صدر قبل انتخابات .2004 وما إلى ذلك.

-  حقائق: اذا كنتم حريصين إلى هذا الحدّ على تطبيق القوانين التي تنظم العملية الانتخابية... فكيف تفسرون تحالفكم مع احزاب غير قانونيّة؟

- سؤال غريب.. نحن كوّنا تحالفا فيه حركة التجديد وفيه مناضلون مستقلون وفيه أعضاء ينتمون إلى أحزاب مدنية وحداثية غير قانونية لكنها تطالب بحقّها في النشاط، وهو حق مشروع وعلى السلط ان تستجيب لهذه المطالب طبقا لمبادئ احترام حريّة التنظم... ثم أني أريد لفت النظر إلى أنه سبق لنا في انتخابات 2004 ان تحالفنا ضمن "المبادرة الديمقراطية" التي كان فيها أيضا كما تذكر أعضاء حزب أو مجموعة غير معترف بها والذين ترشحوا في القائمات التشريعية فعلوا ذلك بصفتهم أفرادا من حقهم المشاركة في العملية الإنتخابية في إطار شرعي كانت تسميته الرسمية آنذاك "قائمات حركة التجديد/المبادرة الديمقراطية" وتجربة "المبادرة الوطنية" اليوم هي امتداد وتطوير لتجربة " المبادرة الديمقراطية" في 2004، ولهذا فانت ترى أن تمشينا متطابق تماما مع قوانين البلاد، وبالتالي لا يمكن ان تلام حركة التجديد من هذا الجانب لانها تحرص على احترام القوانين رغم اننا نطالب بتغيير العديد من جوانبها و نتمنّى ان تتطور حتى تقترب القوانين الخاصة بالاحزاب من مبادئ النظام الجمهوري وهذا من ضمن ما سأحرص على طرحه واقناع الرأي العام به.

- حقائق: هناك من يرى أن الحزب الديمقراطي التقدّمي هو المستفيد الأوّل من التحالف الذي اقمتموه ما دام سيمكنّه من الخروج من حالة العزلة التي انتهى إليها؟

- التحالف الوحيد الذي انشأناه مع غيرنا هو "المبادرة الوطنية" ولكن يبدو أنك تشير إلى البلاغ المشترك الذي صدر مؤخرا عن حركة التجديد والتكتل والحزب الديمقراطي التقدمي. هذا البيان يهدف إلى تفعيل التقاطعات التي تجمعنا رغم الاختلافات المعروفة أو تفاوت مواطن التقارب بيننا في النظرة للوضع السياسي وما يتطلبه من استراتيجيا وتكتيك... هذا البيان يعني أن هناك حرص مشترك بين الأحزاب الديمقراطية التي تنوي الدخول للانتخابات على المطالبة بتوفير شروط الشفافية والمصداقية للانتخابات القادمة وبفتح حوار وطني تحت إشراف الحكومة تشترك فيه كل الأطراف والاطياف المعنية حتى ننظر معا في السبل الكفيلة بجعل الانتخابات القادمة انتخابات ديمقراطية وهذا لن يتم الا بالتكوين التوافقي للجنة عليا تتولّى الإشراف والمراقبة للعملية الإنتخابية حتى نضمن لها ان تسير سيرا مغايرا لما كانت عليه الأمور في المرات السابقة. وبصراحة أقول لك أن هذا الحوار الوطني الذي دعونا إليه معا من أجل التوافق على شروط الشفافية وحياد الإدارة في الانتخابات سيكون - لو تم - في صالح جميع الأطراف المعنية دون استثناء وأن بلادنا هي المستفيدة منه أولا وآخرا.

- حقائق: ضمن هذا التقاطع نجد من سبق له وطالب الغرب بتحويل تونس إلى مخبر للتجارب الديمقراطية؟

- أنا مع توخي الدقة وتجنب الاختزالات المتسرعة في وصف مواقف مختلف الأطراف في الحركة الديمقراطية، ولا أوافق على بعض المنزلقات الدعائية التي تستسهل الإيعازات المشككة في وطنية هذا الطرف أو ذاك.. فالتعلق بالوطن لا يحق لأحد أن يزايد فيه على أحد، والحوار المتمدن بين كل الأحزاب الوطنية أمر ضروري... وقد تبين مؤخرا في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر "التكتل" - التي جمعت تقريبا كل التيارات والأحزاب بما فيها التجمع الدستوري - أن نهج التحاور ممكن فلماذا لا نعمقه في إطار احترام التعددية؟ فالواضح أنه ثمة تطورات ايجابية في المقاربة السياسية لدى أحزاب المعارضة لكن، وللاسف، لا نجد لها صدى لدى الطرف المقابل، أي السلطة.
أما فيما يتعلق بجدلية الداخلي والخارجي في المعركة من أجل إرساء الديمقراطية، فلا خلاف حول ضرورة ومشروعية التضامن العالمي بين كل القوى الديمقراطية، ولكن التحاليل قد تختلف بحيث يكون فيها ما هو مشترك وما هو خارج التقاطع اذ لكل حزب موقفه وأسلوبه الخاص.. ومن جهتنا نعتبر أن التحوّل الديمقراطي لا يمكن أن يكون بالأساس إلا نتيجة لديناميكية وطنية داخلية أعبّر عنها شخصيا بالفرنسية بكلمة «endocentrique» - أي مركزها في داخلها - ونقيضها كلمة «exocentrique» ...

-  حقائق: ما دمتم تدعون لحوار وطني... لماذا لم تتحالفوا مع التيار المنشق عن الحزب الديمقراطي التقدّمي الذي أعلن تفضيله الحوار على الإنعزال؟

- كما قلت لك، ما جمعنا بمناسبة البيان المشترك ليس تحالفا، مع الاسف، بقدر ما هو تقاطع حول أهداف دنيا في علاقة بظروف الانتخابات... فالتحالف يعني اتفاقا طويل المدى مستندا إلى رؤية مشتركة لعديد من الأمور الجوهرية منها هوية الحركة الديمقراطية والتقدمية... فنظرتنا للحركة الديمقراطية مختلفة مع نظرة اطراف اخرى لأننا نعتقد أنها ليست مجرد جمع لكل من يقول لا للسلطة ولأن لهذه الحركة هويّة حداثية ديمقراطية وتقدمية يجب ان تكون واضحة بما فيه الكفاية حتى لا يحصل الخلط بين من يدافع عن مكاسب الحداثة وبين من يريد استغلال الدين وتوظيفه في الصراعات السياسية بهدف التراجع في تلك المكاسب التي نرى نحن أنها مكاسب وطنية يجب ان يكون الدفاع عنها وتطويرها محلّ اجماع واسع لدى جميع الأطراف المتحالفة.

- حقائق: هل تلمّحون إلى السيد نجيب الشابي ومواقفه المغازلة لحركة النهضة؟

- لست أعني شخصا بعينه ولا طرفا بعينه... لكني أتحدث عن متطلبات التحالف، لذلك سأكتفي بالتأكيد على أن مشروعنا في التجديد وفي المبادرة الوطنية مشروع حداثي ديمقراطي وتقدمي متكامل ومتمايز في الآن نفسه عن المشروع الرسمي من جهة وعن المشاريع التي توظف الدّين في الصراعات السياسية ...

من جهة أخرى، وردا على سؤالك السابق، من المعروف أنه ثمة نقاط التقاء هامة وواسعة بيننا وبين كوادر كانت تنتمي لأحزاب وتجمعنا بها توجهات تقدمية وتنويرية مشتركة إضافة إلى نظرة ترى في السياسة فنّ الممكن، الأمر الذي يوفر إمكانيات كبيرة في تطوير مواطن الالتقاء هذه إلى ما هو أهمّ... ونحن في المبادرة الوطنية حريصون على تجميع كافة الطاقات الديمقراطية الراغبة في خوض المعركة من أجل الهدف الأسمى اليوم، ألا وهو تمكين البلاد من مناخ سياسي جديد يبدأ تكريسه باطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي والعفو العام وفتح وسائل الاعلام لتكون الانتخابات مناسبة لعرض هذا التنوّع والاختلاف الصحي وإعطاء كامل محتواها للتعددية، وتأكدوا ان تونس ستكون هي الرابح الأول لأنها تتسع لجميع أبنائها بمختلف مقارباتهم.

- حقائق: اذا كنتم تتعاطون مع السياسة كفن الممكن فلماذا تبدون وكأنكم تملكون مفاتيح سحرية لأهم المشاكل التي تعاني منها البلاد بدءا ببطالة اصحاب الشهائد. ومرورا بالتفاوت بين الجهات وصولا إلى انعكاسات الازمة الاقتصادية العالمية؟

- لم ندّع أبدا ان لنا مفاتيح سحرية بل ان أسلوبا معينا من الدعاية المهيمنة في وسائل الإعلام هو الذي يقول بأن الحكومة تملك مثل هذه المفاتيح... وهي دعاية لا اعتقد أنها تعبر عن شعور أعضاء الحكومة أنفسهم لأني اعرف انهم اناس جدّيون ولا يؤمنون بالحلول سحريّة... من جهتنا نحن لنا مقاربات ومقترحات هامة نريد ان نطرحها على الناخبين والرأي العام بمناسبة الانتخابات وحتى خارج هذه المناسبة ... آخذ قضية بطالة أصحاب الشهائد والتي اعتبرها ظاهرة جديّة وتحديا وطنيا غير مسبوق ما دام عدد هؤلاء قد تجاوز100 الف عاطل... طبعا نحن لا نملك لها حلولا سحريّة... ولكننا نرى ان جزءا من حلها يكمن في الاصلاح السياسي الذي يبقى مدخلا رئيسيا لحلّ المشاكل الاقتصادية ومنها مشكل البطالة المرتبط ارتباطا وثيقا بنسق التنمية الذي هو بدوره مرتبط بنسبة الاستثمار. فالاستثمار يعاني من ركود حتى قبل بداية الأزمة الإقتصادية العالمية، ولإعادة تنشيطه لابد من البدء بالاصلاح السياسي بما يعنيه من شفافية ومحاسبة ومساءلة وتطبيق مبدأ علوية القانون على الجميع ... فهذا من شأنه توفير مناخ من الثقة وتحفيز المستثمرين على مزيد الاستثمار وبالتالي تسريع نسق النمو وتوفير حظوظ اكبر لحلّ مشكل البطالة.

-  حقائق: لكن الا ترى ان بطالة اصحاب الشهائد هي ايضا عنوان من عناوين نجاح السياسة التربوية التي لم تعد قائمة فقط على الحق في الدراسة بل تعدّته إلى الحق في النجاح والتميّز فيه؟

- هنا تطرح قضية التعليم الذي بقي أسيرا لمقاربات قديمة رغم ان الجميع ما انفك يقرّ بتدني مستواه بما في ذلك مؤسسات علمية عالمية موثوق بجدّيتها رتبت التلميذ التونسي في آخر المراتب مقارنة بتلاميذ دول مثل كوريا وغيرها وهذا ما يحتم علينا الاسراع باعادة تأهيل كامل لقطاع التربية والتكوين المهني حتى يكون لخرّيجيه مكان في سوق الشغل، مع ضرورة اعادة هيكلة سوق الشغل بحيث تتسنى معاملة طالبي الشغل معاملة ناجعة وعادلة فتكون الفرص، على شحّتها، متساوية بين الجميع... هذا يطرح ضرورة إصلاح الوكالة الوطنية للتشغيل التي تشكو من خلل واضح ولا تقوم بدورها كما يجب، مما يفتح الباب أمام ظاهرة التدخّلات والأكتاف والمحسوبيّة وغيرها، ويساهم بالتالي في إعادة إنتاج بل في تفاقم ظواهر الحيف الاجتماعي والجهوي......

اما على صعيد معالجة التفاوت بين الجهات، فنرى انه من الضروري الاسراع ببعث مشاريع اقتصادية في مناطق الشريط الغربي التي تشكوا من التهميش والفاقة اكثر من غيرها وهي بحاجة لمشاريع استثنائية تمكنها من الخروج من وضع التخلف مقارنة بجهات الشريط الساحلي وتفتح آفاق الشغل امام ابنائها وهذا مرتبط ببلورة تصور جديد للتنمية.
صحيح أن وضع جهات الداخل موروث من عهد الاستعمار ولكن هذا لا يمنع من إحداث منعرج في السياسة المعتمدة حيالها.. وذلك بوضع خطة وطنية للنهوض بها على ان لا يتم ذلك علي حساب الجهات الشرقية بل عبر تقديم تضحيات حقيقية وجريئة لانتشال جهات الداخل من التهميش... وليكن البدء بمراجعة مثال التهيئة وتطوير جدّي لشبكة السكك الحديدية وشبكة الطرقات ووساشل الاتصال وبعث اقطاب جامعية وتكنولوجية تتمتع بما يكفي من الامكانات المادية والبشرية لكي تلعب دورها الكامل في تغيير الوضع في تلك الجهات تغييرا جذريا وتحقيق التوازن المفقود..

- حقائق: سيد احمد سؤال اخير لماذا تسارعون الى اصدار بيانات الشجب والاستنكار من أجل صحيفتكم أو عند رفع صورتكم من واجهة مقرّ حركتكم والحال اننا لم نكد نسمع لكم صوتا او نقرأ لكم بيانا حول ما تعرضت له نخبة من مفكرينا من تكفير واهدار لدمائهم؟

- لا أظنك يا سي لطفي تقصد التقليل من خطورة عرقلة إصدار وتوزيع صحيفتنا "الطريق الجديد" أو منعنا من تعليق اللافتات على شرفة مقر حركتنا... أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من سؤالك، فلو قامت وسائل الإعلام بدورها دون تعتيم أو إقصاء لسمعت وقرأت الكثير حول الموضوع الذي أثرته مشكورا... على كل، أنا معك في أن هناك منزلقات خطيرة ما انفكت تتزايد ومنها ما حصل من اتهام بالإساءة للرسول او ما حصل مؤخرا لأستاذة مسرح بجهة صفاقس مون تعرض لتهجمات مشابهة... ورغم ان هذه الظواهر تنشر علي الانترنات وباسماء مجهولة او مستعارة، الا أنّها- وبعيدا عن كل تهويل - تدعو للانشغال لانها تخلق جوّا عاما يدعو لتكفير من يدعو للاجتهاد والتفكير الحرّ... ولهذا فالمسألة تقتضي ان نتعامل معها بما يلزم من الجديّة ولابد ان نحمي بلادنا من تاثيرات الفضائيات الرجعية وفتاوى الدعاة المتخلفين ولهذا أدعو الى احتضان هؤلاء المفكرين التونسيين وفتح وسائل الاعلام بما فيها الاذاعة والتلفزة امامهم ليساهموا في العمل التنويري حتى لا يبقوا لقمة سائغة لمحترفي الفتاوى والتكفير والتجريم ممّن يريدون تقسيم الناس بين من هم تحت خيمة الله ومن هم خارجها ويستسهلون تكفير كل من يخالفهم الرأي... الخ"....

ومع هذا فإذا كان تمشّينا في هذا الباب واضحا فاننا نتحاشى السقوط في التهويل وندعو الى توسيع رقعة حرية التعبير بفتح وسائل الإعلام لجميع انصار مزيد تكريس قيم الحداثة والتنوير للتصدي لابتزاز الفضائيات والدعاة وترك الشعب التونسي يعيش عصره دون عقد ودون تناقض مع دينه وهويته.