الصفحة الأساسية > عربية > نشاط حركة التجديد المشترك مع القوى الديمقراطية > توطئة للنقاش حول موضوع "الإصلاح السياسي أولوية وطنية"
ندوة "تحالف المواطنة والمساواة" بمقر حركة التجديد بالعاصمة يوم الأحد 12 ديسمبر 2010
توطئة للنقاش حول موضوع "الإصلاح السياسي أولوية وطنية"
الأحد 19 كانون الأول (ديسمبر) 2010
"الإصلاح السياسي أولوية وطنية"
أحمد إبراهيم
أيتها الأخوات، أيها الإخوة
هذه الندوة هي أول تظاهرة تتناول موضوعا سياسيا شاملا ينظمها "تحالف المواطنة والمساواة"، الذي أعلن عن تأسسه في ندوة صحفية عقدها يوم 10 جوان 2010 ونظم على إثرها لقاءات وحوارات في العاصمة وعديد الجهات تناولت بالخصوص مشروع الأرضية وسيواصل مثل هذه اللقاءات تعميقا للنقاش حول هذا المشروع.
ومعروف أن الأطراف المكونة لهذا التحالف أي حركة التجديد والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحزب العمل الوطني الديمقراطي وجمع من المناضلين المستقلين يجمع بينها اتفاق في تحليل الأوضاع وفي الأهداف النضالية وفي التوجه المشترك، وهو توجه ديمقراطي يعتمد المواطنة أساسا للانتماء للوطن ويرفض توظيف الدين في الصراع السياسي، وتوجه وطني متعلق بهويتنا المشتركة التي يجب استبعادها من المزايدات، وتوجه تقدمي يعتبر نفسه امتدادا لكل ما هو عقلاني ومستنير في تاريخنا ويعي بضرورة حماية المكاسب التقدمية وتطويرها خاصة في مجال المساواة الكاملة بين المواطنين وبين الرجال والنساء طبقا للمواثيق الدولية والمبادئ التحررية الكونية. كما يجمع بينها توافق حول التمشي السياسي الواقعي والحريص على الحوار مع الجميع في المعارضة والسلطة، إضافة إلى عزم مشترك على الانفتاح على كل الآراء الديمقراطية والتقدمية، وهو ما يفسر الإبقاء على مشروع الأرضية التأسيسية المشتركة مفتوحا لكل التحويرات الإيجابية.
ومعلوم أيضا أن هذا المشروع يطرح من ضمن الأولويات الوطنية إنجاز الإصلاح السياسي... لذلك خصصنا ندوة اليوم لهذا الموضوع الحيوي آملين أن تتركز المداخلات على محاور ثلاث يمكن تقديمها في شكل ثلاثة أسئلة هي:
الإصلاح السياسي أولوية وطنية لماذا؟
الإصلاح السياسي ماذا يعني؟
الإصلاح السياسي كيف يتحقق؟
[rouge] 1 - لماذا يشكل الإصلاح السياسي أولوية وطنية؟ [/rouge]
الإصلاح السياسي الديمقراطي مطلب دائم منذ عقود.
فالتلازم العضوي والعلاقة الجدلية بين سيادة الوطن وسيادة الشعب قد طبعا الحركة الوطنية التونسية منذ نشأتها، وقد تجلى ذلك في الربط المبكر بين مطلب الاستقلال ومطلب برلمان تونسي كما ظل حاضرا في المداولات التي صاحبت بناء مؤسسات الدولة الجديدة في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي حول مقومات النظام الجمهوري ومبادئه وفي مقدمتها مبدأ ارتكاز السيادة الوطنية على سيادة الشعب بكافة أطيافه السياسية والاجتماعية وعلى مساهمته الفعالة في رسم الاختيارات ومراقبة تطبيقها عبر مؤسسات ديمقراطية ممثلة لإرادته.
لكن هذه المبادئ بقيت حبرا على ورق مما خلق انطباعا متزايدا بأن تحرير البلاد لم يصحبه تحرير العباد إن صح التعبير بمعنى أن الدولة عوض أن تكون تعبيرا عن المجتمع وتجسيما لإرادته وطموحاته سرعان ما أخضعته لهيمنتها. فكان إقرار نظام الحزب الواحد في بداية الستينات، الذي اختزل المجتمع في الدولة والدولة في حزب والحزب في فرد، وهو نمط تسلطي ظل سائدا في جوهره طيلة العقود اللاحقة لأن الاعتراف بالتعددية منذ بداية الثمانينات قد بقي شكليا ومحدودا...
وبدون إطالة يمكن القول بأن الإصلاح الديمقراطي هو الحلقة المفقودة الرئيسية في تاريخ تونس منذ ما يقارب الستين سنة وأن نهضة بلادنا الشاملة حاضرا ومستقبلا تبقى رهينة تحقيق الارتباط العضوي:
بين السيادة الوطنية والديمقراطية
بين التنمية والديمقراطية
بين الحداثة والديمقراطية
بين العدالة الاجتماعية والديمقراطية
إن العمل على نجاح بلادنا في التعاطي الإيجابي مع هذه الثنائيات الجدلية الأربع هو جوهر التقاء الأطراف المكونة لتحالف المواطنة والمساواة وفي اعتقادنا أنه يمكن أن يكون أساس توحد الحركة الديمقراطية والتقدمية بوجه عام بل أساس توافق غالبية المجتمع التونسي بأسره...
ذلك أنه أصبح واضحا لأوساط واسعة من الرأي العام أن الإصلاح السياسي الديمقراطي هو المدخل الذي لا غنى عنه لمعالجة مجمل المشاكل المطروحة أمام البلاد ومفتاح حلها الحل السليم، وقد بينت التجارب – وهنا آتي إلى النقطة الثانية في هذا المحور الأول من مداخلتي - أن:
رفض هذا الإصلاح أو إرجاء إنجازه قد عطل وما زال يعطل مسيرة البلاد ويكبل طاقاتها
فقد بينت تجارب العقود الماضية أن من يخطط للتنمية في ظل التسلط ونفي حق المجتمع بمختلف فئاته وتوجهاته في المساهمة الحرة في رسم اختياراتها ومحاسبة القائمين على تطبيق تلك الاختيارات إنما يخطط للفشل ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام الأزمات والهزات...
برز ذلك في أواخر الستينات وأواخر السبعينات وفي أحداث الخبز سنة 1984 مرورا إلى أزمة الخلافة التي تواصلت حتى أواخر 1987.
برز ذلك ويبرز:
في ما تسبب وما زال يتسبب فيه غياب الشفافية وغياب المؤسسات الضامنة لعلوية القانون على الجميع من ركود في الاستثمارات،
في هشاشة المكاسب التقدمية في غياب الديمقراطية التي هي وحدها الكفيلة بحمايتها من مخاطر الارتداد وتطويرها،
في هشاشة المكاسب والحقوق الاجتماعية للعمال والشباب والفئات الضعيفة ومجموع الشعب فيما يتعلق بالشغل والصحة والتعليم وغير ذلك في غياب أطر التشاور الديمقراطي ووسائل الدفاع عن المطالب في حين يطلق العنان لظواهر الإثراء السهل والسريع لبعض الأوساط على حساب المصلحة الوطنية،
في تواصل الفوارق المجحفة بين جهات البلاد واصطدام التحركات السلمية من أجل تكافؤ الفرص في التنمية والتشغيل ومقومات العيش الكريم بالقمع والملاحقة كما كان الشأن في منطقة الحوض المنجمي،
والأمثلة على عواقب رفض الاستجابة إلى ضرورة الإصلاحات الديمقراطية كثيرة ولا مجال لسردها هنا، لذلك اكتفي بالتذكير بما آل إليه التمادي في نهج الهيمنة والانغلاق من ارتهان مصير البلاد بفرد واحد أحد عن طريق تسليمه رئاسة الدولة مدى الحياة في منتصف سبعينات القرن الماضي وحالة العطالة والتدهور المعروفة التي نتجت عن كل ذلك.
بعد هذا التذكير، وبعيدا عن أي تسليم بمقولة "التاريخ يعيد نفسه"، أمر إلى النقطة الثالثة والأخيرة في هذا الجزء الأول وهي محاولة الإجابة عن السؤال:
لماذا يمثل الإصلاح السياسي اليوم ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى؟
ما من شك في أن إقرار إصلاحات سياسية عميقة ضرورة وطنية طالما أجلت ولم تعد تحتمل مزيد التأجيل، خاصة في المرحلة الدقيقة الراهنة وما فيها من مخاطر التدهور المتعاظمة على حاضر البلاد ومستقبلها.
هذه المخاطر ليست وهمية وهي تبعث على الانشغال، ولا يمكن للبلاد أن تتحمل التمادي في التعامل مع الأوضاع بمنطق الرضاء بالذات دون تقييم جدي لحصيلة 23 سنة من نمط الحكم الحالي وأين هو من وعود القطع مع الأساليب السابقة واحترام نضج الشعب وحقه المشروع في حياة سياسية تخول له المشاركة الحرة في تسيير شؤون الوطن عبر مؤسسات مطابقة لقيم ومبادئ الجمهورية...
وكون هذه الفترة الرئاسية الخامسة هي الأخيرة بحكم ما ينص عليه دستور البلاد كان من المفروض أن يشكل فرصة لفتح صفحة جديدة لكنها أهدرت بالطريقة التي أجريت بها الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2009 ثم الانتخابات البلدية في 2010، كما استمر بل تفاقم الانغلاق بعد تلك الانتخابات وتفاقم صم الآذان أمام دعوات الحوار...
وفي هذه الأجواء انطلقت في الصيف حملة "المناشدة" في محاولة لإبقاء دار لقمان على حالها والتمديد في نمط التسيير السائد إلى أجل غير مسمى...
وواضح من هذه الحملة والواقفين وراءها أن هنالك مراكز قوى معينة تعمل جاهدة من خارج المؤسسات على الاستفراد بتقرير مصير البلاد ومستقبلها، وكأن مسألة التداول على رأس الدولة أمر لا دخل للشعب فيه، أو كأن ضرورة الإصلاح السياسي الذي يسمح للشعب بأن يقول كلمته في هذا الموضوع غير موجودة البتة.
لذلك نحن في تحالف المواطنة والمساواة نرفض بحزم محاولات القفز على مقتضيات دستور البلاد والالتفاف على مطالب الإصلاح الديمقراطي المشروعة باعتباره يضرب في الصميم مصلحة تونس وشعبها التي يجب أن تبقى فوق المجموعات الضيقة مهما كان نفوذها وفوق الأفراد مهما كانت خصالهم.أفرادأ
إن الإصلاح السياسي لا غنى عنه وهو يجب أن يبدأ اليوم قبل الغد، أي قبل مزيد استفحال التأزم ومخاطر التدهور.
والسؤال الذي سأحاول الإجابة عنه في المحور الموالي لهذه المداخلة يتعلق ب:
[rouge] 2 - شروط ومحتويات الإصلاح السياسي المنشود.[/rouge]
-1 تهيئة المناخ للإصلاح السياسي الشامل
[rouge]1[/rouge]) لا بد من إجراءات انفراجية عاجلة تمثل إشارة واضحة للرأي العام على وجود إرادة سياسية وعزم على حلحلة الركود وإحلال الانفتاح محل الانغلاق.
هذه الرسالة الانفتاحية التي يمكن للسلطة أن توجهها بوضوح إلى الرأي العام يمكن أن تبدأ بالتسريع في حل مشكلة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بإعطاء الإذن بفتح مقرات فروعها وغير ذلك من الأمور التي تطمئن النشطاء الحقوقيين على مصير منظمتهم واستقلاليتها،
كما أن هناك رسالة ثانية تستطيع السلطة توجيهها في اتجاه تسهيل حل مشكلة تمثيل الصحافيين في صلب نقابتهم بعيدا عن التدخلات ومنطق الانقلاب على الشرعية،
وكذلك الشأن بالنسبة لرسائل أخرى ممكنة في اتجاه رفع العراقيل أمام انعقاد مؤتمر اتحاد الطلبة بدءا برفع المظلمة المسلطة على كاتبه العام، وفي اتجاه محو آثار المظلمة التي سلطت على أعضاء وعضوات المكتب الشرعي لجمعية القضاة وتمكين هذه الجمعية من العمل المستقل بعيدا عن محاولات التدجين، وأيضا في اتجاه إعادة المسرحين في قضية الحوض المنجمي إلى سالف عملهم وإطلاق سراح بقية مساجين هذه القضية وكافة المساجين من أجل آرائهم أو نشاطهم الطلابي أو الصحفي، وتسهيل عودة المحكوم عليهم في قضايا الرأي، وغير ذلك.
[rouge]2[/rouge]) في تزامن مع ذلك يجدر اتخاذ إجراءات في اتجاه إنهاء احتكار وسائل الإعلام العمومية وفتحها على كل الآراء والحساسيات ورفع العراقيل على حرية التعبير في كل القنوات بما فيها الأنترنات وتنقية مجلة الصحافة من جوانبها الزجرية الجائرة ورفع الرقابة عن الكتب وإقرار مقاييس واضحة موضوعية وعادلة لإعطاء رخص إصدار النشريات والبث الإذاعي والتلفزي وإسناد مهمة الإشراف على حرية الإعلام وتطويره إلى هيئة مستقلة عن السلطة.
[rouge]3[/rouge]) ومن جهة أخرى يجب رفع التضييقات على نشاط الجمعيات والأحزاب المستقلة بفتح القاعات العمومية الموصدة في وجهها وإنهاء التمييز بينها فيما يتعلق بالتمويل العمومي لها ولصحفها وبتشريكها على قدم المساواة في مختلف الهيئات الاستشارية، هذا إلى جانب إلغاء الحواجز أمام حق التنظم بتمكين الجمعيات والأحزاب المدنية التي طلبت ذلك من النشاط القانوني...
كل هذه الإجراءات الانفراجية نعتقد أنها ضرورية وباستطاعة السلطة ن تستجيب لها الآن من تلقاء نفسها دون تأخير إذا توفر لديها الوعي بأن الحكمة السياسية تقتضي الشروع في تجاوز حالة الانغلاق والركود والمراوحة في نفس المكان الطاغية اليوم...
وفي ضوء إجراءات من هذا القبيل سيتسنى خلق مناخ سياسي جديد يمكن من التشاور والتحاور بين مختلف الأطراف الوطنية في السلطة وفي المعارضة حول جميع مقومات الإصلاح السياسي العميق بدءا بأكثرها تأكدا اليوم وأعني بذلك ما سيكون موضوع النقطة الثانية في هذا المحور الثاني من المداخلة.
2- ضرورة تحوير المجلة الانتخابية تحويرا جذريا
من البديهي لكل ملاحظ نزيه أن تونس مريضة بانتخاباتها وأنها لم تعرف إلى حد الآن في تاريخها انتخابات لها من الشفافية والمصداقية ما يجعلها تعبيرا حقيقيا عن إرادة المواطنين ومرآة وفية لموازين القوى في المشهد السياسي وركيزة جدية لإضفاء الشرعية على مؤسسات الحكم...
لذلك وجب الشروع بسرعة في إعادة النظر جذريا في المنظومة الانتخابية برمتها.
وضرورة الإسراع بهذا التحوير لا تمليها فقط المفارقة الموجودة في الظرف الحالي والتي تحكم على البلاد محكوم عليها، في حالة حدوث شغور على رأس الدولة، بإجراء انتخابات رئاسية لا يمكن أن يترشح لها إلا من يحصل على تزكية 30 نائبا أو رئيس بلدية أي من يرشحه الحزب الحاكم لأن إمكانيات الترشح المحدودة جدا التي أتيحت في استحقاقات سابقة قد أتيحت بحكم قوانين استثنائية صالحة للاستعمال مرة واحدة.. فهذا الإصلاح الضروري يستمد أيضا صبغته المتأكدة من كون المنظومة الانتخابية كلها قد صيغت وأحكم حبكها بحيث يكاد يستحيل قيام انتخابات تعددية وشفافة حقا.
فهناك إذن حاجة ملحة إلى تحويرها بحيث:
تسمح بحرية الترشح للرئاسية،
وتسمح بوجود التعددية - الفعلية لا الصورية – بمجلس النواب ومجلس المستشارين والمجالس البلدية وغيرها بإقرار مبدأ الاقتراع النسبي،
وترفع العقبات أمام حق الأحزاب في إبرام التحالفات الانتخابية،
وتضمن حق التسجيل والترشح والتصويت وتحمي أصوات الناخبين من شتى أنواع التلاعب والتزوير، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بسحب الإشراف على الانتخابات من مصالح وزارة الداخلية وإسناد تلك المهمة إلى هيئة مستقلة ومحايدة تتولى إدارة العملية في كامل مراحلها.
نحن هنا أمام مهمة معقدة ومتشعبة نظرا لما تراكم طوال عقود من سلبيات في النصوص والممارسة ولا يمكن الاستمرار في ترك "قوانين اللعبة" (كما يقال ) تحددها السلطة من جانب واحد، بل يجب أن تكون محل تشاور وتفاوض بين كل الأطراف المعنية دون استثناء.
وكذلك الشأن فيما يتعلق بالنقطة الثالثة والأخيرة في هذا المحور، محور محتوى الإصلاح السياسي، أي:
النظر في الآليات التشريعية الأخرى
وأعني بذلك آليات سيكون النجاح في التوافق على الإصلاحات السابقة مقدمة ضرورية للتباحث فيها وحافزا قويا على تناولها التناول الإيجابي.
من هذه الآليات تلك الكفيلة مثلا برفع العراقيل أمام حرية الترشح إلى الرئاسية وبتحقيق الفصل بين السلطات والحد من هيمنة السلطة التنفيذية وضمان استقلالية القضاء...
هذه الآليات التشريعية تطرح إشكالا اقترح عليكم مناقشته في هذه الندوة لأن فيها بشكل أو بآخر مسائل ذات علاقة مباشرة بالدستور الذي يطلب البعض تحويره تحويرا محدودا وعلى المقاس لمجرد رفع العقبة أمام الترشح لفترة سادسة الذي ينادي به المناشدون. فهذا المطلب يدخل في نفس منطق الالتفاف على الإصلاحات الجوهرية، أي نفس المنطق الذي حرك قرار إطلاق حملة المناشدة بصفة مبكرة جدا، واختزال كل شيء من الآن في مسألة التمديد - رغم أنه ما زالت تفصلنا أربعة سنوات على الاستحقاق القادم – مما يعبر عن رغبة واضحة في قطع الطريق أمام التعرض إلى جوهر الإصلاحات التي من شأنها تغيير أسس نمط الحكم التسلطي... لذلك وجب الانتباه حسب رأيي إلى المنطق المعكوس الذي أراد الواقفون وراء المناشدة حصر البلاد فيه: أي مناشدة - فقبول منتظر - فإصلاحات ضئيلة وجانبية قد تتم وقد لا تتم لكنها في كل الأحوال لن تمس جوهر المسار الانغلاقي المتبع إلى الآن.
فالإصلاحات هي التي يجب أن تكون نقطة البداية باتباع تدرج من قبيل التدرج الذي حاولت عرضه هنا حتى نصل قبل 2014 إلى وضع سياسي مختلف يجنب بلادنا منزلق التمديد للنمط الحالي طيلة عقود أخرى.
هذه الإشارة إلى التدرج والمرحلية يمكن أن تكون معبرا إلى معالجة آخر الأسئلة الثلاث التي ذكرتها في بداية هذا العرض، وهو:
[rouge] 3 الإصلاح السياسي كيف يمكن تحقيقه؟[/rouge]
في بداية هذا الجزء الثالث والأخير أود القول بأني واع بأن التدرج الذي عرضته (إجراءات انفراجية – تحوير المجلة الانتخابية – آليات تشريعية جديدة من المطلوب أن يصحبها سن العفو التشريعي العام وفك الارتباط بين أجهزة الدولة وهياكل الحزب الحاكم)، هذا التدرج قد يبدو فيه للسامع إفراطا في التفاؤل وهو انطباع مفهوم نظرا لما عليه الواقع السياسي الملموس من انغلاق للسلطة على نفسها وغياب أي استعداد للتفاعل الجدي مع مطالب المجتمع. لكن هذا لا يغير في شيء حقيقة أن:
مستقبل تونس يهمنا جميعا ولا يحق بل لا يمكن لأي طرف مهما كانت قوته أن ينفرد دوما وإلى ما لا نهاية له بتحديد قواعد اللعبة السياسية وأن يسطر بمفرده وعلى مزاجه مصير البلاد. لذلك:
لا بد من حوار وطني للتوافق على مقومات الإصلاح السياسي والحوار الوطني في مفهومنا هو الإطار الذي يسمح بالاستجابة لمتطلبات المرحلة التاريخية الراهنة وبإيجاد الآليات التي بدونها لا يمكن أن يتحقق أي إصلاح قابل للاستمرار والدوام. فإرادة طرف واحد لا ينبغي أن تعطل مسار هذا الإصلاح كما أن رغبة طرف واحد لا يمكن أن تكفي لتجسيمه... فالحاجة الملحة إلى حوار حر وصريح حول مقومات الإصلاح السياسي الشامل وسبل تجسيمة تفرضها المصلحة الوطنية ومن يسعى إلى تعطيله يضر من حيث لا يدري بمصالحة الآجلة كما يضر بالمصالح العاجلة والآجلة لوطننا.
لكن رغم هذه الحقائق لن تتم الإجراءات الانفراجية ولا الحوار حول المجلة الانتخابية والإصلاحات الأخرى بمجرد أن المنطق يمليها أو أن الحكمة تتطلبها. هذا الهدف بحاجة إلى موازين قوى مغايرة للموازين الراهنة لا بد من العمل على إيجادها. كيف ذلك؟
1) بالعمل على تجاوز عوائق الإصلاح وفي مقدمتها وضع هيمنة أجهزة الدولة والحزب الحاكم على كل شيء ووضع التهميش والضعف الذي عليه المجتمع إزاء الدولة بحكم غياب فضاءات التعبير والمشاركة في رسم الاختيارات وغياب فرص اختيار من يمثل المواطنين وفرص ممارسة هؤلاء لمواطنتهم وما نتج عن ذلك الغياب من عزوف ولامبالاة.
2) بالعمل على تجاوز وضع التشتت والتشرذم والعجز الذي ما زالت عليه قوى المعارضة الديمقراطية بحكم عزلتها بعضها عن بعض وجميعها عن المجتمع، وعلى رفع قدرات هذه القوى وتوحيدها على أسس واضحة وحول برنامج واقعي بمعنى قابل لتفعيل المواطنة وتجميع أوسع الأوساط والفئات حوله.
3) بجعل السياسي في خدمة الاجتماعي والتعبير عن مشاغل وطموحات مختلف الشرائح من شباب ونساء وعمال ومثقفين وغيرهم...وبالعمل على تجاوز الانفصام السائد اليوم بين الحركة النقابية والمطامح الديمقراطية للأجراء ولكافة فئات الشعب.
4) بتوخي تمشي عقلاني رصين وجريء في الآن نفسه، لا يقفز على الواقع ولا يستسلم لحدوده، تمشي يسعى للتحرك بمرونة على أساس إقناع أوسط شرائح المجتمع مرنا ويتنزل في سياق تدرجي في إطار صياغة برنامج تعاقد ديمقراطي له القدر الكافي من المصداقية وله أجندة سياسية ذات خارطة طريق واضحة وملزمة من مراحلها التوصل إلى ضمان تنظيم انتخابات شفافة وعلى درجة كافية من المصداقية.
أخواتي، إخواني،
هذه بعض المحاور قدمتها باقتضاب سريع توطئة للنقاش وهي أفكار ومقترحات وإشكاليات حاولت فيها بسط ما اعتقد أنه رؤية تحالف المواطنة والمساواة للوضع السياسي الراهن وما يتطلبه من إصلاحات عاجلة وآجلة.
وأملي أن بتم التفاعل الإيجابي مع هذه الرؤية التي هي، شأنها في ذلك كشأن كل مواقف واجتهادات تحالفنا، تبقى منفتحة على كل الإضافات الجدية والانتقادات البناءة والمقترحات العملية التي تساهم في الدفع بنضال شعبنا من أجل الديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية إلى الأمام.
فشكرا على إنصاتكم وصبركم، والسلام.